وليد المسلم - منتديات حراس العقيدة :-
هل الأعتقاد بألوهية المسيح كان أيمانا راسخا ومستقرا
فى القرون الأولى بعد رفع المسيح عليه السلا م
يعتقد النصارى أن الأقنوم الثاني لله، أي أقنوم الابن، هو الذي تجسد و صار إنسانا حقيقيا، بكل ما في الإنسانية من معنى، و هو المسيح المولود من مريم العذراء، فالمسيح في اعتقادهم إله إنسان، أي هو بشر حقيقي مثلنا تماما تعرض له جميع أعراض الضعف و الاحتياج البشرية، و هو في عين الحال إله قادر كامل الألوهية، و يسمون هذا بـ " سر التجسد ".
و هكذا، فالمسيح، حسب تفسير قانون الإيمان المسيحي الذي تقرر في مجمع خلقيدونية سنة 451 م.، هو شخص واحد ذو طبيعتيـن، طبـيعة إنسـانية (ناسوت) و طبيعة إلهية (لاهوت) فهو إله بشر.
و نتيجة هذه العقيدة أن يكون عيسى المسيح عليه السلام ـ في نظرهم ـ شخص واحد هو خالق و هو نفسه مخلوق، رازق و مرزوق، قديم وحادث! معبود وعابد، كامل العلم و ناقصه، غني و محتاج!...الخ
فلو كانت هذه الصفات المتناقضة لشخصين اثنين اتحدا بمظهر واحد لكان هناك مجال لفهم ما يقولون، لكن الذي يعسر على العقل فهمه بل يستحيل فهمه و قبوله عقلا هو أن تكون هذه الصفات لشخص واحد و ذات واحدة.... لأن هذا بمثابة أن نقول أن هذا الشكل مربع و دائرة بنفس الوقت، أو موجود و معدوم بنفس الوقت؟! لكن على أي حال الكنيسة الغربية تؤمن بذلك و تقر بأن هذا لا سبيل للعقل البشري القاصر أن يفهمه و يدركه و لذلك تعتبره سرا من أسرار الله و تسميه، كما قلنا، بـ " سر التجسد ".
وهذه هى عقيدة جمهور المسيحيين أي: الروم الكاثوليك (اللاتين) أو الكنيسة الغربية التي رئاستها في روما، و الروم الأرثوذكس، أي الكنيسة الشرقية اليونانية الأورثوذكسية التي رئاستها في القسطنطينية ( و التي انفصلت عن الكنيسة الغربية عام 879 م.)، و البروتستانت بفرقهم المختلفة من أنجليكان ولوثريين و إنجيليين و غيرهم... الذين خرجوا من بطن الكنيستين السابقتين في القرن السادس عشر الميلادي و ما تلاه،
لكن هناك طائفتين قديمتين من النصارى لم تعترفا أبدا بقرار مجمع خلقيدونية المذكور، الذي نص على أن المسيح شخص واحد في طبيعتين، و هما: النساطرة أتباع نسطوريوس و اليعاقبة أتباع يعقوب البرادعي.
أما النساطرة ـ و هم أقلية قليلة العدد تتوطن حاليا شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا و شمال العراق و عدد من المناطق الأخرى و يسمون كذلك بالآشوريين ـ فهم يميزون في المسيح بين شخصين: شخص عيسى البشر المولود من مريم العذراء الذي هو إنسان بشر محض، و شخص الله الابن، أو ابن الله الذي هو إله كامل، المتحد بعيسى الإنسان، حسب زعمهم، فالذي ولد من مريم العذراء هو عيسى الإنسان و ليس الله، و لذلك رفضوا قبول عبارة " مريم والدة الله "، كما أن الذي صُلِبَ ـ في اعتقادهم ـ و تألم و مات، لم يكن الله الابن، بل عيسى الإنسان البشر، و الحاصل أن المسيح في اعتقادهم شخصيتان متمايزتان لكل شخصية طبيعتها الخاصة: البشرية المحضة لعيسى الناصري المولود من مريم العذراء، و الإلهية المحضة لابن الله المتحد بعيسى في اعتقادهم.
و على النقيض من ذلك تماما الطائفة الأخرى و هم اليعاقبة، الذين يرون أن عيسى المسيح شخص واحد فقط، لا شخصان، و ليس هذا فحسب، بل هذا الشخص الواحد ذو طبيعة واحدة أيضا، و لذلك يُسمَّوْن أيضا بالمونوفيزيين، أي القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح، فاعتقادهم هو أن: أقنوم الابن من الله تجسد من روح القدس و مريم العذراء فصيَّر هذا الجسد معه واحدا وحدة ذاتية جوهرية، أي صار الله (الابن) المتجسد، طبيعة واحدة من أصل طبيعتين، ومشيئة واحدة و شخصا واحدا. و بعبارة أخرى: المركز المسيّر و الطبيعة الحقيقية لعيسى المسيح الذي ولد من مريم هي الألوهية المحضة، فهو الله عينه، أما بشريته فهي مجرد لباس فانٍ في إلـهيته. فلذلك الله تعالى عندهم هو بذاته الذي وُلِدَ من مريم العذراء، لذا فهي والدة الله، و الله نفسه هو الذي عُذِّب و تألم و صلب و مات! ثم قام بعد ثلاثة أيام من قبره حيا. تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً.
و في هؤلاء جاء قوله تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم و أمه و من في الأرض جميعا و لله ملك السموات و الأرض و ما بينهما يخلق ما يشاء و الله على كل شيء قدير } المائدة /17. و قوله سبحانه كذلك: { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، و قال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي و ربكم، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار وما للظالمين من أنصار } المائدة / 72. و بهذا المذهب اليعقوبي تدين الكنيسة القبطية في مصــر وكنيسة الحبشة التابعة لها، كما هو مذهب السريان الأرثوذكس في بلاد الشام، و مذهب الكنيسة الأرمنية الغريغورية.